جريدة إلكترونية تهتم بالأخبار الدبلوماسية

احتجاج الجالية المغربية في الرباط: رسالة واضحة للمسؤولين من أجل إصلاح الإدارات وتشجيع الاستثمار

بقلم: أستاذ عيدني محمد

Le point diplomatique

في قلب العاصمة الرباط، تجمّعت مجموعة من أفراد الجالية المغربية في احتجاج سلمي، يحمل في طياته رسائل ذات أبعاد وطنية واقتصادية واجتماعية، تعكس عمق الأزمة التي يعاني منها المواطنون المبعثرون في أصقاع العالم، والذين يطمحون للعودة إلى وطنهم الأم والاستثمار فيه بكل يسر وسلاسة. ليست مجرد احتجاجات عادية، بل هي صرخة واضحة من أبناء الجالية المغاربة الذين يبحثون عن حقوقهم، ويطالبون بإصلاحات جذرية تهدف إلى تيسير الإجراءات الإدارية وتشجيع الاستثمارات، باعتبارها الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

خلفية الاحتجاج: أسباب ودوافع

بدأت شرارة هذا التحرك بعد معاناة طويلة من الإجراءات البيروقراطية المعقدة التي يعاني منها المغاربة المقيمون بالخارج عندما يرغبون في إتمام معاملات إدارية، سواء كانت تتعلق بالحصول على وثائق رسمية، أو تسجيل ممتلكاتهم، أو حتى استثمار أموالهم في بلدهم الأم. فقد أصبحت الإجراءات تستغرق وقتًا أطول، وتحتاج إلى مستندات متعددة، وتفرض عليهم ملفات مكدسة من الأوراق، مما يثبط عزيمتهم ويثير إحساسًا بالغربة داخل وطنهم.

الأمر الذي أدى إلى تصاعد المطالب، خاصة أن الجالية تعتبر حلقة أساسية في الاقتصاد الوطني، إذ تساهم بقوة في تحويلات مالية تقدر بمليارات الدولارات سنويًا، بالإضافة إلى الاستثمار المباشر في العقارات، والأعمال التجارية، والصناعات الصغيرة والمتوسطة، غير أن العقبات الإدارية حالت دون استغلال كامل إمكانياتهم، وأضعفت قدراتهم على الإسهام في تطوير بلدهم.

التصعيد والاحتجاج: رسالة واضحة للمسؤولين

في خطوة جريئة، توجه أبناء الجالية المحتجون إلى مقر وزارة الداخلية، مطالبين بضرورة إصلاح النظام الإداري وتسهيل الإجراءات، من خلال تبسيط الإجراءات وتقليل البيروقراطية، وتوفير خدمات إلكترونية مبتكرة، وتقديم الدعم والتوجيه للمستثمرين المغاربة في الخارج. كما أكد المحتجون على أهمية وجود قنوات اتصال مباشرة مع الإدارات المختصة، بهدف تسهيل عملية استلام الوثائق وتسجيل العقارات، بما يضمن حقوقهم ويحفزهم على الاستثمار.

وهذا التصعيد لم يكن مجرد احتجاج عابر، بل رسالة واضحة من المجتمع المغربي المقيم بالخارج، مفادها أن الجهود الحكومية الحالية غير كافية، وأن هناك حاجة ماسة لتغيير السياسات، وتبني رؤية تشاركية تضمن حقوقهم وتسهل عملية تواصلهم مع المؤسسات الرسمية.

الرسائل السياسية والاقتصادية

من الناحية السياسية، يبعث هذا التحرك برسالة قوية تؤكد أن الجالية المغربية ليست فقط مصدرًا للتحويلات المالية، بل هي أيضًا شريك فاعل في بناء مستقبل الوطن، وهي تستحق تعاملًا أكثر مرونة وشفافية. أما من الناحية الاقتصادية، فإن تحسين مناخ الاستثمار وتسهيل الإجراءات من شأنه أن يجذب المزيد من رؤوس الأموال الخارجية، ويساعد في خلق فرص عمل، وتنشيط السوق المحلية.

وفي ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية، وتحديات السوق الدولية، يتعين على الحكومة أن تضع على جدول أعمالها تحسين بيئة الأعمال الإدائية، وتوفير خدمات رقمية عالية الجودة، تتيح للجالية تمكين أنفسهم من إنجاز معاملاتهم بسرعة وسهولة، دون الحاجة إلى التنقل بين الإدارات، وتعرضهم للإعلانات والتأخيرات غير المبررة.

الدعوة إلى إصلاح شامل

المطلوب اليوم هو مراجعة شاملة للبطء الإداري، وإعادة النظر في السياسات الحالية، والتعاون مع القطاع الخاص وأطراف الجالية، لخلق بيئة جذابة ومحفزة للاستثمار والمساهمة في التنمية. كما يجب أن تتبنى الحكومة إستراتيجية واضحة لرقمنة الإجراءات، وتوفير منصات إلكترونية موثوقة وسهلة الاستخدام، تُسهل على المواطنين المقيمين بالخارج إتمام معاملاتهم لتحفيز روح المبادرة لديهم.

وفي النهاية، يبقى الاحتجاج خطوة نضالية ضرورية، تفرض على المسؤولين أن يعيدوا النظر في السياسات الحالية، ويعملوا على تيسير حياة المستثمرين والمواطنين المغاربة على حد سواء، الذين يعولون على حكومة قوية وفعالة، تدخل في صلب اهتماماتها تحسين الصورة العامة.