شكل المخطط الأخضر المغربي نقطة تحول كبيرة في القطاع الفلاحي بالمملكة، حيث أطلق بهدف تحديث الفلاحة، تحسين الإنتاجية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الصادرات وقد كان لعزيز أخنوش، خلال قيادته لوزارة الفلاحة، دور محوري في تنزيل هذا المخطط، مما أدى إلى تحقيق مجموعة من النجاحات على مستوى الإنتاج الزراعي، تحديث تقنيات الري، وتشجيع الاستثمار في المجال الفلاحي لكن بعد مغادرته للوزارة، بدأت تبرز مجموعة من الإشكالات التي أثرت على استمرارية المخطط بنفس الوتيرة، مما يطرح اليوم ضرورة إعادة هيكلة القطاع، خصوصًا في مجالات الإنتاج الحيواني، الفلاحة، الأعلاف، والخضر والفواكه، مع تعزيز الرقمنة والتتبع لضمان الاستدامة والنجاعة
مرحلة ما بعد أخنوش: أين تكمن الإشكالات؟
بعد خروج أخنوش من وزارة الفلاحة وتولي وزراء آخرين هذا القطاع، بدأت تظهر تحديات جديدة جعلت بعض المكاسب التي تحققت خلال المخطط الأخضر تتراجع، ويمكن تلخيص الإشكالات الكبرى في عدة محاور رئيسية
أولًا، ضعف الاستمرارية في تنزيل المشاريع الهيكلية، حيث إن غياب رؤية موحدة بين الوزراء المتعاقبين جعل بعض المشاريع تعاني من البطء أو حتى التوقف وهو ما انعكس على قطاعات مثل سلاسل الإنتاج الحيواني وتطوير الزراعة الذكية ثانيًا، تراجع الاهتمام بتطوير منظومة الأعلاف، إذ يعاني المربون والفلاحون من ارتفاع الأسعار وانخفاض الدعم الموجه لهذا المجال مما أثر بشكل كبير على إنتاج اللحوم والألبان ثالثًا، ضعف الرقمنة والتتبع، حيث لم تتم مواكبة التطور التكنولوجي بشكل كافٍ لضمان استدامة الإنتاج ومكافحة الأزمات المناخية والمائية التي أصبحت أكثر تأثيرًا
إعادة هيكلة القطاع الفلاحي: ضرورة ملحة وليس خيارًا
إن الحل اليوم يكمن في إعادة هيكلة القطاع وفق رؤية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع الاختلالات التي ظهرت بعد فترة أخنوش، وهو ما يستوجب اتخاذ إجراءات جريئة وعملية أولها تعميم الرقمنة في القطاع الفلاحي، من خلال استخدام التكنولوجيا في تتبع الإنتاج، توزيع الموارد، ورقمنة المعاملات لضمان الشفافية والفعالية ثانيها دعم الإنتاج الحيواني من خلال وضع سياسات أكثر نجاعة في دعم الأعلاف، تحسين سلالات المواشي، وضبط أسواق اللحوم ومنتجات الألبان ثالثها تعزيز الفلاحة المستدامة عبر تحفيز الفلاحين على استخدام تقنيات حديثة في الري والزراعة لمواجهة التغيرات المناخية وتقليل هدر الموارد الطبيعية وأخيرًا، لا بد من إصلاح منظومة الأسواق والتصدير لضمان استقرار الأسعار محليًا وتحقيق تنافسية أكبر في الأسواق العالمية
المغرب أمام تحدي استدامة مخططه الفلاحي
لا يمكن إنكار أن المخطط الأخضر شكل نقلة نوعية في القطاع الفلاحي، لكنه اليوم يحتاج إلى إصلاحات جوهرية لضمان استدامته وتحقيق الأهداف التي وضع من أجلها وإذا لم تتم معالجة الإشكالات التي ظهرت بعد مغادرة أخنوش للوزارة، فقد يجد المغرب نفسه أمام أزمة غذائية واقتصادية تؤثر على الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي لذلك، فإن إعادة هيكلة هذا القطاع لم تعد مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة استراتيجية تستوجب تحركًا سريعًا ومنهجيًا