جريدة إلكترونية تهتم بالأخبار الدبلوماسية

المستشار الألماني يواجه الإنتقادات بسبب خطاب معاد للاجئين

le point deplomatique

وجد المستشار الألماني فريدريش ميرتس نفسه في قلب عاصفة من الغضب الشعبي والانتقادات السياسية، إثر تصريحات ربط فيها بين “مشكلة مظهر المدن” الألمانية واللاجئين، في خطاب وصفه كثيرون بأنه “عنصري” و”استفزازي”، يعيد إنتاج الصور النمطية ويضع ملايين المهاجرين والعرب والمسلمين في خانة الاتهام.

من “تشويه المظهر” إلى “الاستحمام عراة”: سلسلة من التصريحات الاستفزازية
لم تكن تصريحات ميرتس الأخيرة التي أطلقها في أكتوبر/تشرين الأول 2025، والتي ادعى فيها أن “بعض اللاجئين يشوهون مظهر المدن الألمانية”، واقعة منعزلة، بل هي حلقة في سلسلة من التصريحات التي يبدو أنها محسوبة بدقة .

فقد سلم ميرتس الدفة في اليوم التالي لرئيس كتلته النيابية، ينس شبان، الذي لم يترك الأمر غامضاً، فعمد إلى تحديد هوية من يستهدفهم هذا الخطاب، زاعماً أن “مظهر المدن سيكون أفضل بدون مهاجرين من دول عربية ومسلمة وأوروبية شرقية” . وسبق لشبان أن طالب المسلمين بـ “الاستحمام عراة” في صالات الرياضة، في تعليق استفزازي آخر .

أما ميرتس نفسه، فقد رفض الاعتذار مردداً بحسب ما ورد: “اسأل أطفالك، اسأل بناتك، اسأل في محيط أصدقائك… الكل يؤكد أن هناك مشكلة على الأقل عند حلول الظلام” . هذا العناد دفع بالشارع الألماني إلى الخروج في مظاهرات تحت شعارات مثل “نحن مظهر المدينة” و”نحن البنات” .

يتساءل مراقبون عن دوافع ميرتس لخوض هذه المغامرة الخطرة التي تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي الألماني. التحليل السياسي يشير إلى أن الإجابة تتعلق باستراتيجية انتخابية محضة، تتمثل في محاولة استمالة ناخبي حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD) اليميني المتطرف، الذي يشكل تهديداً متصاعداً لحزب ميرتس .

فقد برر ميرتس تصريحه في الأصل ردا على سؤال صحفي حول كيفية خفض شعبية حزب “البديل” إلى النصف، مما يكشف النية المبيتة لاستعادة الناخبين المحافظين عبر تبني خطاب اليمين المتطرف ذاته . غير أن الخبراء يحذرون من أن هذه الاستراتيجية قد تأتي بنتائج عكسية.

في هذا الصدد، يوضح د. يوهانس كيس، الخبير في شؤون اليمين المتطرف: “الدراسات تظهر أن النقاشات التي تعقب هذه التصريحات تُعزز في العادة مواقف حزب البديل… فالناخب في هذه الحال سينتخب الأصل وليس النسخة المقلدة” . ويضيف كيس أن هذه النقاشات “تسبب الخوف والنفور من الديمقراطية وتجرد النقاش من طابعه السياسي ولا تساهم في توجيهه نحو البحث عن حلول” .

يكمن أحد أسباب الاستياء العارم من خطاب ميرتس في تعميمه المُضلل الذي يتجاهل الحقائق والأرقام الرسمية:

أولاً: يشكل المهاجرون وأبناءهم (الألمان بالمواطنة وليس بالدم) ما يقرب من 25 مليون نسمة من إجمالي سكان ألمانيا البالغ 83.5 مليوناً . أي أن أكثر من ربع السكان تم وضعهم تحت طائلة الاتهام العام.

ثانياً: وفقاً للأرقام، فإن عدد اللاجئين المُلزمين رسمياً بمغادرة ألمانيا لا يتجاوز 41 ألف شخص . حتى إذا افترضنا جدلاً أن جميعهم “يشوهون المظهر” – وهو افتراض غير واقعي – فإنهم لا يشكلون سوى 0.07% من سكان المدن الألمانية، مما يفكك مزاعم التعميم التي بنى عليها ميرتس وخطابه.

أحدثت تصريحات ميرتس صدمة في مجتمع ألماني يتّسم بالتنوع. كريمة بن إبراهيم، مديرة مركز التوثيق والمعلومات لمناهضة العنصرية، قالت: “مهاجرون كثيرون اعتبروها عن حق عنصرية… وترافقت مع ردود فعل من مختلف أطياف المجتمع، من المعارضة والائتلاف الحاكم نفسه ومن منظمات المجتمع المدني” .

وأضافت بن إبراهيم أن الخطير في هذه التصريحات هو أنها “تضع فئات متباينة للغاية في بوتقة واحدة، وتعيد إنتاج صورة المهاجر بوصفه عامل اضطراب اجتماعي… هذا نهج خطير لأنه يقدم صورة نمطية قائمة على التصنيف العرقي” .

من البراغماتيين الذين استقبلوا التصريحات “بتهكم وسخرية”، نادر خليل، الحائز على وسام الاندماج من حكومة برلين، الذي نقل عن صديق تركي قوله مازحاً: “ما رأي المستشار في أن نصبغ شعرنا بالأشقر حتى نناسب تصوره لمظهر المدن الألمانية؟” .

الأخطر في تصريحات ميرتس هو أنها تعزز حضور اليمين المتطرف وتعتبر الخطوة الأولى على طريق تنفيذ سياسته الداعية إلى الترحيل إذا وصل إلى موقع صنع القرار” .