جريدة إلكترونية تهتم بالأخبار الدبلوماسية

الملك يبعث بالمساعدات إلى غزة واليهود المغاربة يفتحون الأبواب

حطاب الساعيد

في لحظة الصمت العربي المطبق، فضل المغرب أن يضع ثقله الدبلوماسي والسيادي على الطاولة ليثبت أن الدفاع عن فلسطين لا يحتاج إلى شعارات، بل إلى قرارات جريئة وأفعال ملموسة.
حيث قرر الملك محمد السادس نصره الله إرسال 100 طنا من المساعدات الإنسانية للمرة الثانية إلى غزة بمجموع 280 طنا، هذا الأمر لم يكن مجرد قافلة إغاثية عابرة، بل كان قرارا سياديا يعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط.

فالمغرب البعيد جغرافيا عن فلسطين، نجح في العبور في الوقت الذي فشلت فيه دول عربية غنية وقريبة في التحرك.
غير أن السر الأكبر في نجاح هذه المبادرة لم يكن فقط في جرأة القرار الملكي، بل في الوجه الآخر للقوة المغربية  اليهود المغاربة في إسرائيل، هؤلاء الذين اعتقد البعض أنهم انقطعوا عن وطنهم الأم أثبتوا العكس تماما، بروابطهم العاطفية والثقافية وحضورهم داخل المؤسسات المؤثرة، نجحوا في تليين مواقف صعبة وفتح الأبواب التي ظلت موصدة أمام المغرب، لقد كانوا الجسر الصامت الذي سمح للقافلة أن تصل وللمغرب أن يمر حيث يتعثر الآخرون.

إنها لحظة تكشف بوضوح أن المغرب ليس مجرد دولة بحدودها الجغرافية، بل قوة ناعمة ممتدة عبر أبنائها في العالم، واليهود المغاربة، مثال ساطع على هذا الامتداد فهم لم ينسوا جذورهم ولم يتخلوا عن انتمائهم بل وظفوا رصيدهم الإنساني والثقافي لخدمة بلدهم الأم في لحظة فارقة.

وتبقى المفارقة المؤلمة أن بعض الدول العربية القريبة من فلسطين لم تجرؤ حتى على التفكير في مثل هذه الخطوة رغم ما تملكه من ثروات وإمكانيات، بل التزمت الصمت واكتفت بالمؤتمرات وبيانات جوفاء، بالمقابل اختار المغرب أن يثبت أن القرار السيادي لا يشترى بالمال ولا يقاس بالمسافة.

فقافلة الـ280 طنا لم تحمل فقط الغذاء والدواء بل حملت رسالة سياسية واضحة وهي أن المغرب أقوى مما يعتقد البعض وأذكى من أن يختزل في موقع جغرافي بعيد، قوته في تنوعه وفي وحدته الوطنية، التي تجعل من أبنائه اليهود أوراقا رابحة في أصعب الملفات.

إنها ليست مجرد مساعدة إنسانية، بل درس في الدبلوماسية الذكية. من أراد أن يفهم سر قوة المغرب، فلينظر إلى هذه القافلة، وإلى الأبواب التي فتحت بصمت، وإلى الشعارات التي انهارت أمام الفعل الحقيقي.
ولعل هذا الحضور المعنوي والرمزي لليهود المغاربة يشكل اليوم أحد أبرز أدوات القوة الناعمة للمغرب في سياق إقليمي معقد.