زيارة وزير الخارجية الفرنسي للمغرب تُثير الجدل حول موقف باريس من قضية الصحراء
le point diplomatique
أثارت زيارة ستيفان سيجورني، وزير أوروبا و الشؤون الخارجية الفرنسي، إلى المغرب، ترقبًا كبيرًا في صفوف الرأي العام المغربي، خاصةً فيما يتعلق بموقف باريس من قضية الصحراء ، غير أن تصريحات سيجورني ، التي أكد فيها على دعم مخطط الحكم الذاتي، لم ترقَ إلى مستوى توقعات الكثيرين، ممّا نتج عنها انتقادات واسعة في الوسط .
و قال ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، خلال الندوة الصحافية التي جمعته مع سيجورني، إن الرباط ترغب بوضوح “في كتابة فصل جديد في العلاقات مع باريس”.
و لم يتناول المسؤول الحكومي المغربي بالفعل موقف فرنسا من قضية الصحراء، و لم يتطرق إلى هاته النقطة التي كانت موضع خلاف حقيقي بين البلدين منذ إعلان واشنطن اعترافها بمغربية الصحراء سنة 2020.
من جانبه، حرص وزير أوروبا و الشؤون الخارجية الفرنسي على توضيح و شرح نظرة باريس تجاه الرمال المغربية، وفي هذا الصدد أوضحت كلمات سيجورني “المختارة بعناية” أن باريس ترغب في البقاء ضمن لائحة المحايدين الإيجابيين في الملف وفي الآن نفسه تسعى إلى بناء شراكة مهمة مع المملكة تمتد لـ30 سنة مقبلة، مع الإعلان عن “دعم الاستثمارات المغربية في الأقاليم الجنوبية و التذكير بالحضور الثقافي في الداخلة و العيون”.
هذه النقطة فسرها مصدر فرنسي لأحد المصادر الصحفية، كونها “نقلة نوعية في موقف باريس من الصحراء ، الذي تم الإعلان عنه من قبل سيجورني”، مدافعا بذلك عن هذا المعطى كون “موقف باريس سيتطور مع الوقت، و باستحضار تحقيق التقارب بين البلدين”.
في ضفة أخرى، اعتبر العديد من المراقبين أن “الإعلان عن موقف حاسم لفرنسا من قضية الصحراء يكون على لسان قائدي البلدي، و ليس عبر وزراء الخارجية”، و يبدو هذا المعطى يتقاطع مع تشديد بوريطة على أن “العلاقات تحظى بعناية خاصة من العاهل المغربي محمد السادس، والرئيس إيمانويل ماكرون”.
موقف قديم :
عمر المرابط، خبير في العلاقات الدولية ومختص في الشأن الفرنسي، سجل أن “زيارة سيجورني تعيد العلاقات بين الرباط وباريس إلى نقطة الصفر”.
و أورد المرابط، ضمن تصريح لهسبريس، أنه لم يكن هناك ترقب في الواقع من أن تكون زيارة سيجورني بعد توتر العلاقات سابقا انطلاقة مهمة، مبينا أن “الموقف المعلن هو قديم، و ليس بالجديد”.
و اعتبر نائب عمدة مدينة “أنيس-مونس” الفرنسية سابقا أن ” فرنسا عليها حقا أن تغير موقفها من الملف، وتعترف بالفعل بأن مخطط الحكم الذاتي هو الحل الأساس للنزاع، وليس فقط دعمه. وحينها، سنرى بالفعل أن هنالك تغييرا حقيقيا”.
و أوضح المتحدث سالف الذكر أن “تغيير فرنسا لموقفها في الملف سيكون من خلال زيارة لماكرون، وهي المهمة التي بالفعل لم ينجح فيها سيجورني خلال حلوله بالرباط”.
و شدد المرابط على أن “زيارة سيجورني هي الخطوة الأولى، التي ستتبعها مفاوضات بين الجانبين اللذين يلعبان على مصالحهما، وتحقيق توافق يمكن أن يفرج عن موقف جديد لباريس من الملف”.
و تابع قائلا: “المغرب بالطبع ينتظر موقفا فرنسيا جديدا في ملف الصحراء، خاصة أن باريس لها وزن دولي. كما أن الرباط تريد مواصلة حصد اعتراف القوى الدولية بأراضيها”، موضحا أن “فرنسا مهمة في هذا الصدد لأنها شاهدة تاريخيا كيف ساهم استعمارها في تقليص الأراضي المغربية الحقة”.
و خلص العضو بمجلس الجالية المغربية بالخارج إلى أن “فرنسا اقتصاديا تغريها الصحراء المغربية. وبالفعل، تضع استثمارات بأقاليمنا، وتريد المزيد”، مستدركا بأن “هذا الوضع يجب أن نحذر منه؛ لأن الرباط لا تريد فقط الوضوح الاقتصادي، بل أيضا السياسي”.
الاقتصاد و الاعتراف :
حمزة أعناو، باحث في الشأن الاقتصادي، قال إن “رغبة فرنسا في دعم الاستثمارات المغربية في الأقاليم الجنوبية من الممكن أن تكون مدخلا مهما لكي يتضح الموقف الباريسي من النزاع المفتعل”.
و أوضح أعناو، ضمن تصريح لأحد المواقع الصحفية ، أن المغرب وفرنسا بالفعل فتحا فصلا جديدا من العلاقات أول أمس الاثنين؛ من خلال تشجيع الفرص الموجودة، خاصة على المستوى الاقتصادي الذي يشكل قاطرة مهمة لكلا البلدين، لافتا إلى أن “الاعتراف بمغربية الصحراء مسألة وقت ستتعزز مع تطوير التقارب الاقتصادي”.
و أبرز المتحدث ذاته أن “تصريحات سيجورني بدعم الاستثمار في الأقاليم الجنوبية تظهر، بالفعل، أن باريس ستفعل مساطر إجرائية على أرض الواقع قصد البحث عن فرص للاستثمار في الأقاليم الجنوبية”، موضحا أن “الرباط لا تحتاج الدعم؛ بل تريد علاقات استثمارية مبنية على الاحترام، و منطق رابح-رابح”.
و استرسل شارحا: “فرنسا، من خلال تصريحات سيجورني، تظهر، بالفعل، أنها تبحث عن الفرص التي توفرها الحركة التنموية بالأقاليم الجنوبية، وتريد تعزيز حضورها القديم، خاصة على مستوى الهيدروجين الأخضر”.
و أجمل أعناو قائلا: “المغرب قوة حقيقية في المنطقة، ويقود مبادرة “الشراكة من أجل التعاون الأطلسي” الرائدة اقتصاديا. وبالطبع، القوى العالمية، على غرار فرنسا، تريد أن تستفيد من هاته المسألة المهمة”.