جريدة إلكترونية تهتم بالأخبار الدبلوماسية

مصير الصحراويين في تندوف سيناريوهات ما بعد قرار الأمم المتحدة

le point deplomatique

صوت مجلس الأمن الدولي لصالح قرار تاريخي يدعم خطة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، مُعتبِراً إياها “الحل الواقعي” لتسوية نزاع دام نصف قرن. هذا القرار الأممي الجديد يفتح باباً جديداً أمام مصير آلاف الصحراويين المقيمين في مخيمات تندوف الواقعة على الأراضي الجزائرية، والبالغ عددهم نحو 175 ألف شخص، وفقاً للمفوضية العليا للاجئين.

يمثل قرار مجلس الأمن الدولي محطة فارقة في مسار نزاع الصحراء الذي بدأ عام 1975، ويمكن تتبع أبرز محطاته كما يلي:

1975: الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الذي يعترف بروابط الولاء للقبائل الصحراوية للمملكة المغربية، تليه المسيرة الخضراء في 6 نوفمبر التي شارك فيها 350 ألف مغربي.

1975: توقيع اتفاقية مدريد بين المغرب وموريتانيا وإسبانيا لتقسيم الإقليم إدارياً.

1976: إعلان البوليساريو قيام “الجمهورية الصحراوية” في تندوف بدعم من الجزائر وليبيا.

1981-1987: تشييد المغرب للجدار الدفاعي الرملي بالصحراء للسيطرة على 80% من الأقاليم الصحراوية.

1991: إقرار وقف إطلاق النار وإنشاء بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) لمراقبة الوقف ومحاولة تنظيم استفتاء لتقرير المصير.

2007: تقديم المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل وسط مع الحفاظ على السيادة المغربية.

2020: انهيار وقف إطلاق النار بعد فتح المغرب ممراً تجارياً في “الكركرات” واعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء.

2025: تصويت مجلس الأمن الدولي لدعم مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية

يطرح الباحثون ثلاثة سيناريوهات محتملة لمصير الصحراويين في مخيمات تندوف بعد القرار الأممي:

الإدماج المنظم هو السيناريو الأقرب إلى الواقعية، ويتمثل في فتح قنوات تنسيق أممية-مغربية لإعادة إدماج الراغبين في العودة ضمن إطار إنساني منظم يضمن كرامتهم وحقوقهم. هذا السيناريو يعكس دينامية الانفتاح التي عبّر عنها الملك محمد السادس في خطابه بعد قرار مجلس الأمن، حين دعا إلى عودة الصحراويين إلى وطنهم ضمن مبادرة الحكم الذاتي. ويمكن للأمم المتحدة أن تلعب دور الضامن التقني واللوجستي لهذه العودة.

يتجه هذا السيناريو نحو صيغة انتقالية تحت إشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تتيح للساكنة حرية الاختيار بين العودة إلى الأقاليم الجنوبية أو إعادة التوطين في بلدان أخرى. وهو خيار مكلف سياسياً وإنسانياً، لكنه يظل قائماً نظرياً ضمن الأدوات الأممية المعروفة في حالات النزاعات الممتدة.

يوصف هذا السيناريو بأنه “الأكثر حساسية”، ويتعلق بإمكانية أن تستمر الجزائر في استخدام المخيمات كورقة ضغط سياسية رغم فقدان الغطاء القانوني الدولي. هذا المسار قد يفتح الباب أمام توتر إنساني داخلي وتنامي الأصوات الرافضة لاستمرار هذا الوضع داخل المخيمات نفسها، وقد يولد اضطرابات داخلية يصعب ضبطها في المدى المتوسط.

يستعد المغرب لمرحلة ما بعد قرار مجلس الأمن برؤية متكاملة تربط بين الحل السياسي والتنمية المحلية. لم يعد الرهان المغربي فقط على الشرعية الدولية، بل على قدرته في تحويل الأقاليم الجنوبية إلى نموذج استقرار وجاذبية، مما يجعل العودة إلى الوطن خياراً منطقياً لكل من عانى من التهميش في تندوف.

هذا التحول سيمكن من تحويل الملف من نزاع إقليمي إلى تجربة استيعاب ودمج ناجحة تحت مظلة أممية، خاصة في ظل المشاريع التنموية التي أطلقها المغرب في الأقاليم الجنوبية، مثل مشاريع الطاقة الشمسية في العيون والموانئ في الداخلة.

تمثل اللحظة الراهنة فرصة نادرة لتصفية أحد أقدم الملفات العالقة في شمال إفريقيا، حيث أعاد مجلس الأمن الاعتبار لمنطق الحل الواقعي، وأظهرت الدبلوماسية المغربية نضجاً في توظيف هذا التحول لخدمة الاستقرار الإقليمي.

غير أن نجاح المرحلة المقبلة سيتوقف على مدى تعاون الجزائر في تسهيل العودة الطوعية وضمان عدم توظيف الملف لأغراض داخلية أو أيديولوجية. فالمخيمات لم تعد قضية جغرافيا ونزاع، بل باتت قضية كرامة بشرية وحق في الانتماء.

قرار مجلس الأمن الأخير منح الأمل بإغلاق صفحة مؤلمة من التاريخ الحديث، شرط أن يُترجم مضمونه إلى واقع ميداني يحفظ للصحراويين إنسانيتهم، ويعيد لهم حقهم في حياة طبيعية داخل وطنهم، في ظل مغرب موحد آمن ومستقر.

نقلا عن : هسبريس