فنزويلا البقرة الحلوب والصراع على ثروات أميركا الجنوبية
تصل التوترات بين الولايات المتحدة وفنزويلا إلى ذروتها، في مشهد يذكر بأزمات القرن التاسع عشر حين كانت القوى العظمى تتصارع على النفوذ في أميركا الجنوبية.
تأتي هذه التطورات في وقت أعلنت فيه الجمعية الوطنية الفنزويلية دخول قانون قيادة الدفاع الشامل حيز التنفيذ فوراً بعد مصادقة الرئيس نيكولاس مادورو عليه، في خطوة توصف بأنها “الأكثر حسماً” في تعزيز العقيدة الدفاعية الفنزويلية منذ تأسيس الجمهورية البوليفارية.
تصعيد عسكري غير مسبوق
في رد مباشر على الوجود العسكري الأمريكي المكثف، أعلنت فنزويلا عن “تعبئة شاملة” تشمل25 ألف جندي تم نشرهم في المناطق الحدودية مع كولومبيا وعلى السواحل البحرية
نشر وحدات من الجيش النظامي وقوات الأمن والميليشيا البوليفارية في جميع أنحاء البلاد
من جهتها، عززت الولايات المتحدة وجودها في المنطقة بإرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد المصحوبة بتسعة أسراب جوية ومدمرتين موجهتين وأكثر من 4,000 بحار، بالإضافة إلى نشر 10 مقاتلات من طراز إف-35 في بورتوريكو.
لم تكن العلاقات بين البلدين دائماً على هذا القدر من التوتر. خلال النصف الثاني من القرن العشرين، كانت فنزويلا حليفاً موثوقاً للولايات المتحدة في سياق الحرب الباردة، حيث:
كانت البعثة العسكرية الأمريكية تعمل من داخل المجمع العسكري الرئيسي في كاراكاس تدرب الطيارون الفنزويليون على الطائرات الأمريكيةو حصلت فنزويلا على امتياز شراء طائرات مقاتلة متطورة مثل طراز “إف-16”.
ولكن التحول الدراماتيكي حدث مع وصول هوغو شافيز إلى السلطة عام 1998، حيث:
طرد البعثة العسكرية الأمريكية من فنزويلا عام 2001
أنهى التدريبات المشتركة والتعاون في مكافحة المخدرات
توجه لبناء تحالفات جديدة مع روسيا والصين وإيران
مشاهد من الشارع الفنزويلي
في شوارع كاراكاس، تتباين ردود الفعل بشدة. خوف من الحرب يسيطر على البعض، بينما يرى آخرون في هذا التصعيد أملاً في التغيير.
“يبدو أن الولايات المتحدة أعتقد ت أن هذا استغلال للقوة”
في خضم هذا التصعيد، تبرز تساؤلات حقيقية حول قدرة فنزويلا على مواجهة عسكرية محتملة:
الجيش الفنزويلي يضم نحو 123 ألف عسكري نظامي و220 ألف عنصر في الميليشيات
المشاكل اللوجستية تواجه القوات المسلحة، حيث تكافح لتوفير الغذاء والإمدادات الكافية
الاستعدادات تشمل خططاً للمقاومة الشعبية طويلة الأمد باستخدام تكتيكات حرب العصابات
من جهة أخرى، يبدو أن الرأي العام الأمريكي منقسماً حول أي عمل عسكري محتمل، حيث أظهرت استطلاعات الرأي معارضة 47% لهجمات برية على الأراضي الفنزويلية، بينما يؤيدها 19% فقط.
لا يمكن فهم التعقيدات الحالية دون العودة إلى جذور تاريخية تمتد إلى القرن التاسع عشر، حين شهدت فنزويلا:
أزمة فنزويلا عام 1895 المتعلقة بالنزاع مع بريطانيا حول إقليم غويانا إسيكيبا
سلسلة من الصراعات الداخلية بين الزعماء الإقليميين (الكوديلوس)
اليوم، يعود مادورو ليصر على المطالبة التاريخية بمنطقة إيسيكويبو الغنية بالنفط، متحدياً بذلك أوامر محكمة العدل الدولية، في خطوة تزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي في المنطقة.
في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى بؤر التوتر في أوكرانو والشرق الأوسط، تطل فنزويلا كواحدة من أخطر بؤر التوتر التي قد تشعل حرباً إقليمية في أميركا الجنوبية، حيث تختلط المصالح الاقتصادية بالصراعات التاريخية والاستراتيجيات الجيوسياسية، في مشهد معقد تتداخل فيه حرب المخدرات مع صراع القوى العظمى على النفوذ.